اشترى رجل من أثرياء البصرة جارية اسمها " حُسنْ " بضم الحاء وسكون السين.
وكانت إلى جمالها الخلاب تحسن الرقص والغناء والضرب بالعود.
فلما ركب بها السفينة منحدرا نحو البصرة وجن الليل وهدأت الريح قام فوزع الخمر علي اهل السفينة وقال: أسمعينا يا حسن.. فطفقت تغني وترقص وتضرب بالعود
وقد ثمل أهل السفينة وأخذتهم النشوة.
في ناحية السفينة يقبع شاب صالح يقرأ القرآن ويجتنب مجالس العصيان.. فأقبل عليه صاحب الجارية وقال ساخرا: أيها الفتي هل سمعت أفضل من هذا؟!!
قال الفتى: نعم!
قال الرجل: اسكتي يا حسن.. وقال للفتى: هات ما عندك.. أسمعنا..
فقال الفتى بصوت جميل"
قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77) أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ ۗ "..
فوقعت الآية في قلب الرجل.. وانكسر لها وارتجف.. وسكب كأس الخمر في الماء وقال:
أشهد أن هذا أفضل مما كنت أسمع.. أعندك غيرها؟
فقال الفتى "وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا"
فارتعد الرجل.. وسكب جميع الخمر في البحر.. وكسر العود.. وقال: يا جارية اذهبي فأنت حرة.. وانزوي في ركن السفينة وأخذ يردد: أستغفر الله.. أستغفر الله.. هذا والله أحسن مما كنت فيه..ثم قال: أيها الفتى.. هل لمثلي من مخرج؟
فلما رآه الفتى قد انكسر.
ورق قلبه.. وخشعت جوارحه.. تلا عليه قوله تعالي: " قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ"
فأخذ الرجل يرتجف ويقول: أشهد أن الله غفور رحيم
ثم شهق شهقة فمات..
يا من عدا ثم اعتدي ثم اقترف
ثم انتهي ثم ارعوى ثم انصرف
أبشر بقـــــــــول الله في قرآنه
إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف
اللهم أغفر لنا وارحمنا
ابن قدامة في التوابين ص276
ابن رجب لطائف المعارف ص 523
اليافعي رياض الصالحين ص79