مقتطفات من مقال الخبير الاقتصادي د. أحمد السيد النجار
"الفلاحون .. انحياز ناصر"
المقال يرد على منتقدي الاصلاح الزراعي و السد العالي "أعظم مشروع في العالم في القرن العشرين بحسب الهيئة الدولية للسدود"
- في العصر الحديث اعتبر محمد على أرض مصر كلها ملكا له وقسم الإشراف عليها بين كبار موظفيه ورؤوس العائلات والقبائل الموالية له .
- في عام 1846 بدأت الملكية الفردية للأرض مع قيود كثيرة على التصرف فى الأرض - عام 1858جاءت اللائحة السعيدية عام 1858 لتقر ملكية الأرض والتصرف فيها. -
حدث تغيير كبير فى الملكيات بعد انكسار الثورة العرابية والاحتلال الإجرامى البريطانى لمصر عام 1882 حيث نزعت أرض عائلات من شاركوا فى قيادة الثورة، وحظيت العائلات التى خانت عرابى وتواطأت مع الخديوى توفيق ومع الاستعمار البريطانى الدنئ بمساحات كبيرة من الأرض التى منحت لرؤوسها وجعلت منهم إقطاعيين كبار بين عشية وضحاها.
- نص القانون رقم 178 لسنة 1952 – قانون الإصلاح الزراعى الأول – على تحديد حد أقصى للملكية الزراعية بما لا يجاوز 200 فدان للفرد مع جواز التصرف فى 100 فدان للأولاد. كما تضمن القانون نصوص لتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر وبين العمال الزراعيين ومستخدميهم.
-وفى عام 1953 صدر القانون 598 لسنة 1953 الذى قضى بمصادرة أموال وممتلكات الأسرة المالكة السابقة، ومن بين تلك الأملاك مساحات كبيرة من الأراضى الزراعية.
- وفى عام 1957 صدر القانون 148 لعام 1957 لتنظيم تملك الأفراد للأراضى البور والصحراوية، وتلاه القانون 1952 لعام 1957 الذى يقضى باستبدال الأرض الموقوفة على جهات البر العامة.
- ثم صدر القانون رقم 24 لعام 1958 الذى حدد ملكية الأسرة – الزوج، الزوجة، الأولاد القصر – بما لا يجاوز 300 فدان إذا كان سبب زيادة الملكية بطريق التعاقد.
- وبعد ذلك صدر القانون 127 لعام 1961 الذى حدد ملكية الفرد بما لا يجاوز 100 فدان من الأراضى الزراعية والبور والصحراوية، ثم صدر القانون 44 لعام 1962 الذى يقضى باستبدال الأراضى الموقوفة على جهات البر الخاصة.
- ثم صدر القانون رقم 15 لعام 1963 الذى قضى بحظر تملك الأجانب للأراضى الزراعية وما فى حكمها من الأراضى البور والصحراوية وأيلولة ما يملكونه من هذه الأراضى إلى الدولة المصرية.
- ثم صدر بعد ذلك بعدة سنوات القانون رقم 50 لعام 1969 الذى حدد الملكية فى الأراضى الزراعية وما فى حكمها من الأراضى البور والصحراوية بمائة فدان للأسرة التى تشمل الزوج والزوجة والأولاد القصر، وبخمسين فدانا للفرد الذى لا يدخل ضمن أسرة بحسب هذا التعريف.
- نتيجة لهذه القوانين الصادرة قبل القانون 50 لعام 1969 آلت إلى الإصلاح الزراعى مساحة تزيد على المليون فدان بقليل أضيف إليها بعد ذلك نحو 32.5 ألف فدان بعد صدور القانون رقم 50 لعام 1969.
- قامت الدولة بتوزيع الجانب الأعظم من الأراضى الزراعية التى آلت إلى الإصلاح الزراعى على الفلاحين الذين تملكوها أو استأجروها، وبلغ عدد هؤلاء المنتفعين ملاكاً ومستأجرين نحو 362 ألف أسرة ينتفعون بمساحة من الأراضى بلغت 939 ألف فدان.
- ربط قانون الإصلاح الزراعى بين الانتفاع بملكية الأرض التى وزعت طبقاً لقانون الإصلاح الزراعى الأول، وبين القيمة الإيجارية لها، حيث وضع حدا أعلى للقيمة الإيجارية يوازى سبعة أمثال الضريبة العقارية على الأرض، كما حدد نصيب المالك الذى يؤجر أرضه بطريقة المزارعة بنصف غلة الأرض على أن يلتزم بالمساهمة بنصف مصروفات زراعة الأرض.
- كذلك حددت المادة 38 من قانون الإصلاح الزراعى حداً أدنى للأجر اليومى للعامل الزراعى بـ 18 قرشا وحددت الحد الأدنى للأجر اليومى للنساء والأولاد بعشرة قروش، كما حددت يوم العمل بثمانى ساعات. وللعلم فإن القدرة الشرائية لأجر العامل الزراعى وفقا لذلك القانون تعادل أكثر من 2000 (ألفين) جنيه من جنيهات الوقت الراهن(المقال في 2014) .
- تجدر الإشارة إلى أن هذا الإصلاح وما يترتب عليه من انتزاع الأرض من كبار الملاك الذين تزيد ملكياتهم عن حد معين وتوزيعها على صغار الفلاحين أو العمال الزراعيين الأجراء لا يرتبط بالنظام الاجتماعى الاشتراكي، حيث قامت بالإصلاحات الزراعية نظم اشتراكية وأخرى رأسمالية، بل إن بعض الأنظمة الرأسمالية التى كان مشهوداً لها بتشددها الرأسمالى قامت بمثل هذه الإصلاحات مثلما حدث فى إيران عهد الشاه وفى كوريا الجنوبية وتايوان واليابان فى عهد ميجي. كما أن الإصلاح الزراعى فى إيطاليا عام 1935 حدد الملكية بـ 25 فدانا.
- وبالنسبة لعلاقات ملاك الأرض بمستأجريها، لم يهدف قانون الإصلاح الزراعى إلى نزع ملكية الملاك وفقاً لشعار "الأرض لمن يفلحها"، وإنما حافظ على استمرار ملكيتهم وأعاد تنظيم العلاقة بينهم وبين المستأجرين. وتم ذلك بوضع حد أقصى للقيمة الايجارية للأراضى الزراعية قدر بسبعة أمثال الضريبة العقارية على الأرض مع عدم جواز طرد المستأجر عندما يريد المالك إلا إذا ارتكب الأول مخالفات جسيمة.
وقد كان لتدخل الدولة فى تحديد قيمة الإيجارات أثره الكبير فى الريف المصرى حيث أن الأراضى المؤجرة كانت تشكل نحو 75% من مساحة الرقعة الزراعية قبل صدور قانون الإصلاح الزراعي، لكن الأراضى لم تدخل بالطبع تحت طائلة المواد الخاصة بتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر فى قانون الإصلاح الزراعى، إذ يبدو أن الكثيرين من الملاك نجحوا فى استعادة أراضيهم من المستأجرين سواء بالتراضى أو لعدم وجود علاقة مؤاجرة رسميةً.
- فرض قانون الإصلاح الزراعى الأول لعام 1952 على الفلاحين الذين انتفعوا بملكية الأرض التى وزعت طبقاً لذلك القانون، أن ينضموا إلى الجمعيات التعاونية التى حدد دورها بتنظيم زراعة الأرض واستغلالها بأفضل شكل عبر قيامها بتوفير مستلزمات الإنتاج والآلات الزراعية والإشراف على تحسين عمليات الرى والصرف ومقاومة الآفات الزراعية وتنظيم التسويق التعاونى وممارسة الإرشاد الزراعى.
وقد بلغ عدد التعاونيات التى أنشئت فى الأراضى التى تم توزيعها على الفلاحين 663 جمعية محلية و 56 جمعية مشتركة تضم كل واحدة منهم نحو 12 جمعية، ومن الضرورى الإشارة إلى أن تلك الجمعيات أسهمت فى المزيد من تنظيم الزراعة المصرية وفى توفير مدخلات الإنتاج من بذور وأسمدة ومبيدات، وآلات الإنتاج مثل الجرارات التى أصبح بإمكان المالك الصغير استخدامها بالتأجير. ومن المؤكد أن مستوى الخدمات التى كانت الجمعيات تقدمها للمزارعين كان جيداً فى عهد عبد الناصر على الأقل.
-تم عبر الدورة الزراعية، توحيد المحصول ووقت زراعته وحصاده فى كل زمام من الزمامات التابعة لقرية ما والتابعة بالضرورة لجمعية تعاونية زراعية، مما أتاح إمكانية استخدام الآلات فى عمليات الزراعة ورش المبيدات والحصاد، وأتاح الاستفادة بوفورات الحجم والتحكم فى التركيب المحصولى وفق حاجة الشعب والاقتصاد واعتبارات الأمن القومى فى مجال الزراعة والغذاء.
ويتشابه نظام الدورة الزراعية المصرية مع النظام الذى استحدثته اليابان إبان إصلاحات ميجى فى ذلك البلد منذ عام 1868، حيث كان مضمون ذلك النظام هو التنظيم على الشيوع لأراض مملوكة ملكية خاصة، بالضبط مثل نظام الدورة الزراعية فى مصر.
-وعلى صعيد آخر أقر النظام الناصرى نظام التسويق التعاونى. وقد بدأ نظام التسويق التعاونى فى مصر محدوداً بحدود الجمعيات التعاونية التى نشأت على الأرض التى وزعت طبقاً لقانون الإصلاح الزراعى لعام 1952، ثم أخذ فى التطور مع امتداد النظام التعاونى وبسطه مظلته على الريف المصرى، ولم يأت عام 1956 حتى كان كل محصول القطن فى مصر يسوق تعاونياً. كذلك بدأ التسويق التعاونى لمحاصيل القطن والأرز والبصل والفول السودانى والبطاطس وبذلك أصبح التسويق التعاونى يغطى حاصلات التصدير الرئيسية فى مصر .
وقد كانت الأهداف التى حددتها الدولة كأساس لتطبيق نظام التسويق التعاونى، هى إزاحة طبقة السماسرة من مختلف مراحل التسويق، وحماية الفلاحين من استغلال هؤلاء الوسطاء ومن التذبذب الذى كانت تتعرض له أسعار محاصليهم من جراء تلاعب الوسط
-قامت الدولة الناصرية بتنفيذ استثمارات كبيرة فى قطاع الزراعة سواء فى استصلاح الأراضى أو فى مجال شق الترع والقنوات وصيانتها أو فى مجال مشروعات البنية الأساسية الكبرى مثل بناء القناطر و بناء السد العالى .
وقد بلغت مساحة الأراضى التى تم استصلاحها خلال سنوات الخطة الخمسية 59/1960 – 64/1965 نحو 536 ألف فدان، أى أكثر من 107 آلاف فدان فى العام خلال تلك الفترة. وتم استصلاح قرابة مليون فدان خلال العهد الناصرى بمعدات تعود إلى ذلك العهد ولا تقارن إطلاقا بالمعدات الحديثة المتاحة حاليا. ولاشك أن إضافة هذه المساحة المستصلحة شكلت إضافة للأصول المنتجة فى الريف المصرى.
بلغ الحجم الصافى للمياه التى وفرها هذا السد العالي نحو 19 مليار متر مكعب من المياه عند أسوان بعد خصم الفواقد بالتبخر، وتحصل مصر منها على 7.5 مليار متر مكعب، بينما يحصل السودان على 11.5 مليار متر مكعب. وقد أتاح نصيب مصر من هذه المياه، زيادة الرقعة المنزرعة بنحو 1.3 مليون فدان. كما أدى إلى تحويل رى الحياض الى نظام الرى المستديم.
كما أدى لرفع إنتاجية المحاصيل الزراعية من خلال تحسين حالة الصرف وضمان مياه الرى فى الأوقات الملائمة للمحاصيل. كما يتم توليد نحو 1.4 مليون كيلووات/ساعة من المحطة الكهربائية التى أنشئت على السد العالى بتكلفة تقل كثيرا عن تكلفة محطة حرارية واحدة، وهى كمية من الكهرباء توفر على مصر قرابة 15 مليار جنيه سنويا فى الوقت الراهن.
كما تم تحسين الملاحة فى النيل سواء لنقل البضائع أو لنقل السياح فى رحلاتهم النيلية. كما أدى إلى حماية مصر من أخطار الفيضات المدمرة التى كان يتم تخصيص نحو 100 ألف مهندس وعامل لمواجهتها خلال شهور الفيضان.
وبالرغم من ضخامة الفوائد الاقتصادية والاجتماعية التى جنتها مصر من وراء السد العالى ، إلا أن دوره فى حماية مصر من دورات الجفاف الرهيبة يعد بحق المأثرة التاريخية للسد العالى بالنظر إلى الآثار المرعبة لدورات الجفاف على البشر والزرع والثروة الحيوانية فى مصر.
وفى الفترة من عام 1979 إلى عام 1987 لعب السد العالى أعظم أدواره فى حماية مصر من جفاف كان من الممكن أن لايبق ولايذر لو لم يكن السد العالى قد بنى. وبالنظر الى أن مخزون البحيرة كان 133 مليار متر مكعب عند مستوى 177.75 مترا عام 1979، فإن مصر استهلكت منه عاما بعد عام حتى بلغ المخزون الحى مجرد 5.4 مليار متر مكعب قبل فيضان عام 1988.
وكانت مصر مهددة بكارثة مروعة لو لم يأت الفيضان فى ذلك العام. لكن الفيضان جاء جبارا وفى ذلك العام الذى بلغ إجمالى الإيراد المائى للنيل خلاله نحو 106 مليارات متر مكعب.
ورغم وجود بعض الآثار الجانبية للسد العالى إلا أنها كلها يمكن معالجتها بصورة فعالة وتحويل بعضها إلى منفعة كبرى مثل الإطماء فى بحيرة ناصر الذى كون جزيرة من الطمى الخصب فى البحيرة والذى يمكن نقله كتربة شديدة الخصوبة لنغطى بها أراضى الاستصلاح.
منقول