لسنا والحمد لله من مدمني الفضائيات. وباستثناء بعض القنوات الإخبارية وقناة للرسوم المتحركة، يصعب أن ترى على شاشتنا أي برنامج آخر.. حتى يوم الاثنين الماضي..!
ابنتي ذات السنوات التسع تقلب البرامج على شاشة التلفزيون الصغير الموجود في غرفتها، وهنا تجد تلك المذيعة الملطخة بالأصباغ، المجنونة تقريبا تصيح:
."لم يعرف أحد بعد صاحبة هاتين العينين ... نحن في الانتظار!!"
مع أرقام هاتف عديدة ان شاء الاتصال لحل المسابقة. هناك أرقام في مصر وكل دولة عربية أخرى.. وطبعا هاتان العينان هما عينا (هيفاء وهبي).. أي مجنون يمكنه أن يعرف أنهما عينا هيفاء وهبي).. لكن أحد المشاهدين يتصل: "هاتان عينا (سعاد حسني ).."
تصيح المذيعة في حسرة: ."لا والله.. تخسر ثلاثة آلاف دولار!"
ليس لدي ابنتي جهاز جوال، لذا تهرع لغرفتي تتوسل لي في حرارة.. المسابقة سهلة والحل بسيط والمتسابقون أغبياء.. أتوسل لك يا أبي.. مكالمة واحدة فقط. أقول لها في صرامة إنني لا اسمح بهذا الكلام الفارغ.. تنظر لي في كراهية ثم تهرع تتوسل إلى أمها.. تلين زوجتي مع التوسل والضغط والدموع فتناولها الجوال الخاص بها، وهكذا يحدث السيناريو الذي توقعته.. مرحبا بك.. نرجو الانتظار .. مقطوعة موسيقية طويلة جدا.. نرجو الانتظار .. ثم: شكرا.. لقد تم تسجيل اسمكم.. في النهاية انتهي رصيد الجوال وصار صفرا..
على الشاشة يتوالى الأغبياء: هاتان عینا (محمود المليجي).. هاتان عينا (جيفارا).. وابنتي موشكة على الجنون.. في النهاية تتوسل لي دامعة كي تكرر الاتصال، فأعطيها جهازي وأنا موشك على الانفجار.. تجرب ثانية فيحدث كل شيء من جديد، وما تنجح فيه هو تحويل رصيدي إلى صفر..
نامت في النهاية مرهقة دامعة، وفي اليوم الثاني صحت مبكرا جدا وجلست أمام الشاشة وأقنعت أمها أن تعيد شحن رصيدها وهذه المرة كانت المذيعة البلهاء تعرض عيني (أليسا). الغريب أن زوجتي بدأت تقتنع أن هذا البرنامج جميل ومفيد وأن فرصة الفوز قريبة جدا لو صبرنا. مشكلتي هي أنني عجول ضيق الخلق.. نظرت لعيني ابنتي وعيني زوجتي اللامعتين المليئتين بالحماسة.. مبروك ... لقد تحولتا إلى مقامرتين بالفعل.. هذا المشهد هو ذات المشهد الذي قرأناه في رواية (المقامر) لدستويفسكي، لكنه قمار بلا أوراق لعب ولا عجلة دوارة.. قمار خفي جدا وأنيق جدا.. .
هكذا انتهزت فرصة غيابهما بعض الوقت، وقمت بتشفير قناة القمار تلك.. هكذا أقنعت ابنتي أن القمر الصناعي قد تلف وإن كنت انتظر في رعب أن تجد قناة أخرى، وأن تطالبني بمكالمة واحدة فقط..
حتى ذلك الحين أرجو أن نسمي الأشياء بأسمائها.. هذه ليست قنوات ترفيهية.. هذا قمار.. والله العظيم قمار !!!
#أحمد_خالد_توفيق