ما الذي أغضب ابنة نجيب محفوظ مني؟
بقلم: أحمد الخميسي - قاص وكاتب صحافي مصري
هدى ابنة الكاتب العظيم نجيب محفوظ، الشهيرة بأم كلثوم، زعلانه مما قلته عن والدها، الروائي الكبير، في برنامج “أطياف” الذي تعده وتقدمه د. صفاء النجار، الأديبة والإعلامية المعروفة؛ البرنامج الذي أطل علينا منذ نوفمبر العام الماضي وأثار العديد من القضايا الثقافية المهمة في لقاءات وحوارات مع الشاعر الكبير أحمد حجازي، ود. حسين حمودة، الناقد المعروف، وخالد داغر، رئيس دار الأوبرا، وغيرهم من أهل الثقافة والفكر.
أعربت أم كلثوم عن غضبها في حوار مع الأستاذ محمود مطر في العدد الأخير من مجلة الإذاعة والتلفزيون الصادر يوم 15 مايو. يقول الأستاذ مطر إنه اتصل بها فشعر بمسحة حزن، بل وغضب، وحين استفسر منها قالت له إنها كانت تتفرج على برنامج أطياف فسمعت أحمد الخميسي يتحدث للدكتورة صفاء النجار عن والدها نجيب محفوظ، وفي حديثه “تحامل على أبي بشكل صارخ، وقال إنه “حضر ندوات نجيب محفوظ في كازينو أوبرا طوال عام ونصف العام لم يسمعه خلال هذه المدة يقول كلمة مفيدة للشباب”. وأضافت أم كلثوم: “ومن المؤسف أن يسيء الخميسي إلى نجيب محفوظ ويصفه بما ليس فيه”.
بداية أود أن أؤكد للأستاذة أم كلثوم، ابنة أديبنا العظيم، احترامي الكامل ومحبتي غير المحدودة للأستاذ، أما حديثي فكان عن الطابع الشخصي للأديب الكبير من دون أن يمس ذلك بأي درجة وضعه كأديب مصري عالمي. ونظرا لأن د. صفاء النجار أديبة أساسا ثم إعلامية، فإنها خلال حديثنا دققت وجهة الكلام بقولها: “بالطبع نحن لا نتحدث هنا عن الأديب لكن عن سمات شخصيته” وأمنت على ملاحظتها.
كان حديثي عن سمات شخصية أوجزتها بقولي إن أديبنا الكبير كان أشبه بالهرم العظيم المغلق على أسراره. وهذه حقيقة لا تمس قدره لا من قريب ولا من بعيد، ولذلك عاش يتفادى الدخول في معارك صغيرة، ويتجنب أن يفتح على نفسه أبوابا كثيرة قد يقود إليها تشجيعه للبعض من دون البعض. نعم لم أسمع منه كلمة مفيدة للشباب، وهذا سلوك في إطار حمايته لوقته، وتفرغه للإبداع، ولم يكن وحده من بين العباقرة من حمى نفسه بهذه الوسيلة، أما أنه أفاد الأدباء الشبان فقد أفادهم إلى ما لا نهاية بأعماله ذاتها.
وقد يجدر بي أن أذكر الأستاذة أم كلثوم أنني – وليست هي – من دافع عن الأستاذ حينما حصل على نوبل، وثارت الأقاويل بأنه حصل عليها لقاء موقف سياسي. ونفيت ذلك جملة وتفصيلا في كتابي “نجيب محفوظ في مرايا الاستشراق السوفيتي” الصادر 1989، نشرته مجانا، وجمعت فيه كل ما كتب عنه في الاتحاد السوفيتي، وقلت في الكتاب بالنص: “ولنهنأ نحن أيضا بأستاذنا وأديبنا الذي غمرنا ببهجة ترجرجت أمواجها من المحيط الي الخليج”، وأن الجائزة: “ليست هدية سياسية لأديبنا عن موقف يريد لنا البعض أن نضغط الأديب بداخله.. وأن نجيب محفوظ لم يسع إلى الجائزة لكنها هي التي مشت إلى عليائه”.
ولطالما دافعت عنه وحتى عن رؤيته لقضية السلام وكررت أنه لم يتاجر بموقفه ذلك، ولم يتربح منه، لكنه كان موقفه الفكري بالفعل الذي شاركه فيه توفيق الحكيم وحسين فوزي وآخرون من الرواد. ولا يمكن بكل محبتي هذه أن أسيء إلى الأديب الكبير الذي أسعدني زماني بأن ألتقي به مع محبتي لشخصه النادر الذي لم يتوقف عن الإبداع والتأمل وإسعاد الثقافة والفن بأعماله.